في حضرة القيمة: حكاية الذهب والبيتكوين من المعابد إلى البلوك تشين

في كل مرة يلمع فيها خبر عن البيتكوين، أسمع ضجيج الأسواق، وتهتز منصات التداول. لكنني، حين ألمح قطعة ذهبية في دكان قديم بسوق المباركية، أشعر بشيء لا تترجمه الأرقام: الطمأنينة. اليوم نروي قصة الأصلين؛ واحدٌ ولد في حضن الحضارة، وآخر خرج من رحم الخوارزميات. فهل يصمد الرقمي أمام الأبدي؟

من كهف الإنسان إلى عقد البلوك تشين

في الصباح الباكر من شتاء عام 1848، حفر رجل أميركي بسيط يُدعى “جيمس مارشال” في نهر صغير بولاية كاليفورنيا، ليجد قطعة صغيرة لامعة غيّرت مصير الغرب الأميركي كله: ذهب.

وبعد أكثر من قرن ونصف، في مساء غائم من عام 2009، ضغط شخص مجهول الهوية يُدعى “ساتوشي ناكاموتو” على زر إرسال، معلنًا أول معاملة باستخدام عملة رقمية تُدعى “بيتكوين”.

قصة الذهب بدأت من الأرض، والبيتكوين بدأ من السطر البرمجي. وبين الاثنين، يقف المستثمر المعاصر محتارًا: أيهما يحمل القيمة؟ وأيهما يُخزّنها فعلاً؟

 الذهب… من التاج إلى التريليون

لا تحتاج إلى كتب تاريخ كي تعرف أهمية الذهب، يكفي أن تتأمل عملة قديمة، أو تاج ملكي، أو حتى حليّ جدتك. هذا المعدن لا يُصدأ، لا يختفي، لا يفقد قيمته مع الوقت، بل يُقاومه.

• في حضارات ما بين النهرين، كان الذهب يُستخدم كوسيلة مقايضة وكتعبير عن السلطة الإلهية.
• في روما القديمة، كان الذهب معيارًا للنقود، وكانت الإمبراطورية تسيّر قوافلها بحثًا عنه.
• وفي العصر الحديث، لا تزال البنوك المركزية تحتفظ به كركيزة للاستقرار المالي.

الذهب ليس مجرد معدن؛ إنه ذاكرة اقتصادية للبشرية.

ومع كل أزمة كبرى – من انهيار 1929 إلى جائحة كوفيد-19 – ظل الذهب هو أول ملاذ، وآخر أمل، وأكثر الأصول استدعاء في لحظة الشك.

 البيتكوين… الثائر الرقمي في عصر اللايقين

أما البيتكوين، فهو وليد التمرد.

ظهر كرد فعل على الأزمة المالية العالمية 2008، حين فقد العالم ثقته في البنوك والمؤسسات التقليدية. كان وعده كبيرًا: عملة لا مركزية، شفافة، لا تخضع لأحد.

ومع مرور الوقت، تحوّل البيتكوين من حلم تكنولوجي إلى أصل مالي مثير للجدل، تتقاذفه العناوين بين:

• “ذهب المستقبل”
• “فقاعة القرن”
• “أمل الشباب الجديد”
• “كارثة قيد التكوين”

وبين كل هذا، صعد سعره من أقل من دولار واحد إلى أكثر من 120,000 دولار في أقل من 15 سنة.

سوق الذهب في الكويت vs تطبيقات الكريبتو

دخلتُ مؤخرًا إلى أحد محلات الذهب في سوق المباركية، التاجر الستيني قال لي بابتسامة:

“الذهب يمرض… بس ما يموت”.

ثم سألت أحد الشباب في أحد مقاهي العاصمة، بينما كان يتفقد تطبيق العملات الرقمية على هاتفه، فأجاب:

“البيتكوين؟ أشتريه لما أنام، وأبيعه لما أصحى… الرزق عالسريع”.

فرق الأجيال؟ نعم. فرق الفهم؟ أيضًا.
لكن الأهم: فرق العمق.

الفصل الثالث: الأرقام تحسم؟ لا، لكنها تهم

📊 تذبذب السعر:

🧱 الاعتماد المؤسسي:

• الذهب: أكثر من 35,000 طن في خزائن البنوك المركزية.
• البيتكوين: لا يوجد بنك مركزي واحد يعتمد عليه كأصل احتياطي.

🌍 القبول العالمي:

• الذهب: لا يوجد بلد لا يعترف به.
• البيتكوين: محظور أو مقيد في أكثر من 60 دولة.

🔐 الأمان والتشريعات:

• الذهب: منظَّم بموجب قوانين عالمية منذ قرون.
• البيتكوين: لا يزال في دائرة الجدل التنظيمي.

الأسطورة لا تحتاج واي فاي

ما لا يفهمه البعض أن القيمة لا تولد في المختبرات أو الأكواد فقط، بل في التاريخ الجماعي للثقة.

• لا يحتاج الذهب إلى اتصال إنترنت.
• لا يخاف من انقطاع الكهرباء.
• لا يُخترق.
• لا يُنسى بسبب “نسيان كلمة السر”.

كم من قصص فقدان ملايين الدولارات بسبب ضياع مفتاح رقمي؟ وكم من قصة أمين خزينة أنقذ أمة باحتياطي ذهبها؟

تقنيات الذهب؟ نعم، لكن بتواضع

يظن البعض أن الذهب “قديم”، لكنه في الحقيقة متجدد في الاستخدام:

• في الإلكترونيات الدقيقة.
• في الأجهزة الطبية.
• في الطيران والفضاء.
• في تقنيات الطاقة.

بينما لا يُستخدم البيتكوين فعليًا إلا كأداة استثمار أو تحويل أموال. ولا تساهم تقنيته الجوهرية (البلوكتشين) في قيمة العملة نفسها، بل تُستخدم في تطبيقات منفصلة.

هل حقًا البيتكوين “ذهب الشباب”؟

قد يكون البيتكوين أكثر إثارة، أسرع حركة، وأسهل وصولًا عبر التطبيقات.

لكن الذهب، يا سادة، هو ذهب الجميع.

من الجدة إلى الحفيد، من البنك المركزي إلى الصائغ، من آسيا إلى أميركا اللاتينية… الذهب لا يحتاج إلى “إعادة تعريف”.

حين تصمت الأسواق، من يبقى؟

تذكر هذا جيدًا:

• في عام 2022، هبطت البيتكوين من 68,000 إلى 16,000 دولار.
• في نفس الفترة، صعد الذهب من 1,700 إلى أكثر من 2,000 دولار.

الذهب لا يُبهر بضوضائه. بل يصعد بصمت. ويقف في الزاوية، ينتظر، ثم يُثبت أنه الأصل الأخير الذي نرجع إليه عندما تسقط كل الأوراق.

خلاصة رجل خَبِر السوق

أنا لا أهاجم البيتكوين. وأقدّر ثورة التكنولوجيا.

لكنني – كرجل خَبِر الأسواق والناس والأزمات – أقولها بصدق:

البيتكوين هو مخاطرة بلباس الفُرصة.
الذهب هو قيمة بثوب الحكمة.

حين تبحث عن ربح سريع؟ جرب البيتكوين.
وحين تبني ثروة أجيال؟ اذهب إلى الذهب.

الاشتراك في خدمات شركة أمواج كابيتال

إذا كنت ترغب في الاستفادة من التقلبات الاقتصادية في الأسواق العالمية، يمكنك الآن
فتح حساب في شركة أمواج كابيتال من هنا.