غير مصنف

القمة المرتقبة بين ترامب وبوتين: اختبار صعب للاقتصاد الروسي وسط عاصفة الضغوط الدولية

تجد روسيا نفسها، وهي على أعتاب لقاء تاريخي مرتقب بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمام مفترق طرق حاسم يحدد ليس فقط مسار حربها في أوكرانيا، بل أيضاً مستقبل اقتصادها في مواجهة منظومة معقدة من الضغوط الغربية، والتحولات في موازين القوى العالمية، والتغيرات في المزاج السياسي والاقتصادي للأسواق الدولية.
هذه القمة، التي سيتابعها العالم بكل تفاصيلها، لا تأتي في فراغ سياسي أو اقتصادي، بل في قلب أزمة ممتدة منذ أكثر من ثلاث سنوات، حيث تحولت الحرب في أوكرانيا من صراع جيوسياسي إلى عامل هيكلي يؤثر على بنية الاقتصاد الروسي، ويعيد تشكيل علاقاته مع القوى الكبرى.

الاقتصاد الروسي: بين الصمود والاختبار

على الرغم من التباطؤ الذي يلوح في الأفق، حافظت روسيا حتى الآن على قدرة مالية كبيرة بفضل شبكتها الواسعة من الشركاء الدوليين، ونجاحها في إيجاد أسواق بديلة للنفط والغاز والسلع الاستراتيجية. لكن هذه القدرة باتت تحت المجهر مع تكثيف الضغوط الأميركية، حيث يمزج ترامب بين الترغيب والترهيب في مقاربته لملف الحرب الأوكرانية.
فالإدارة الأميركية الجديدة أعادت ترتيب أوراقها عبر مزيج من التهديدات الاقتصادية المباشرة، والحوافز المحتملة، لتدفع موسكو نحو وقف إطلاق النار، وهو ما قد يشكل نقطة تحول كبرى في المشهد السياسي والاقتصادي معاً.

تغير قواعد اللعبة

منذ إعلان ترامب عزمه لقاء بوتين، بالتوازي مع خطوات عقابية ضد دول اشترت النفط الروسي – مثل مضاعفة الرسوم الجمركية على الهند – بعث البيت الأبيض برسالة واضحة مفادها أن الحرب الاقتصادية لن تتوقف إلا بتغيير جذري في سياسة موسكو تجاه أوكرانيا.
التهديدات التي أطلقها ترامب خلال الأسابيع الأخيرة، والتي شملت التلويح بإغلاق الأسواق المتبقية أمام النفط الروسي وفرض عقوبات جديدة، لم تلق حتى الآن استجابة من الكرملين، الذي يؤكد عزمه مواصلة عملياته العسكرية.

لكن خلف هذه المواجهة العلنية، هناك حسابات اقتصادية دقيقة. فروسيا، التي شهدت طفرة اقتصادية بعد زيادة الإنفاق الحكومي في 2022، تواجه الآن تباطؤاً في النمو، إذ تتوقع التقديرات أن يتراوح معدل النمو بين 1% و2% فقط هذا العام، مقابل 4.7% العام الماضي.
عائدات النفط تتراجع، والاستثمارات الخاصة تخضع لضغط أسعار الفائدة المرتفعة، بينما بدأت الشركات الكبرى في تقليص عملياتها وتسريح موظفين مؤقتاً.

الأسواق تترقب بقلق وأمل

على الرغم من مؤشرات الضعف، فإن الأسواق الروسية قرأت الإعلان عن القمة المقبلة كبادرة إيجابية. فقد ارتفع مؤشر بورصة موسكو بنسبة 1.4% في يوم واحد، وقفز بنحو 8% منذ الإعلان، مدفوعاً بآمال أن تؤدي المحادثات إلى تخفيف العقوبات.
المحللون يرون أن سوق الأسهم الروسية انتقلت من تسعير الحرب إلى تسعير احتمالات السلام، وهو تحول نفسي مهم يعكس استعداد المستثمرين للتحرك سريعاً في حال ظهور مؤشرات على خفض التصعيد.

لكن السؤال الكبير يظل معلقاً: هل يملك ترامب وبوتين إرادة سياسية حقيقية لتغيير مسار الصراع، أم أن هذه القمة ستكون مجرد محطة أخرى في سباق النفوذ والضغوط المتبادلة؟

دروس من الصمود الروسي

منذ بداية الحرب، نجحت روسيا في إعادة تشكيل خريطتها التجارية، بالاعتماد على شبكة واسعة من الدول الصديقة، خصوصاً في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا.
هذه الدول لم تكتفِ بشراء النفط والغاز الروسي، بل ساهمت في توفير بدائل تكنولوجية وصناعية للسلع التي حاول الغرب حرمان موسكو منها.
كما استثمرت روسيا بكثافة في تطوير قدراتها الإنتاجية الوطنية، ما عزز الاكتفاء الذاتي في قطاعات حيوية مثل الغذاء والطاقة والصناعات الدفاعية.

هذا النموذج الاقتصادي القائم على تنويع الشركاء والاعتماد على الذات جعل موسكو أقل عرضة للابتزاز الاقتصادي، لكنه لم يحمها من التحديات الهيكلية التي يفرضها استمرار الإنفاق العسكري المرتفع وتراجع الطلب العالمي على الطاقة.

البعد السياسي للقمة

لا يمكن النظر إلى القمة المرتقبة بمعزل عن بعدها الرمزي. فاستضافة ترامب لبوتين في الولايات المتحدة بعد قطيعة دبلوماسية امتدت لسنوات تمثل رسالة سياسية قوية مفادها أن روسيا ليست في عزلة مطلقة، وأن خلافها الأساسي يتركز مع أوروبا أكثر من كونه مع واشنطن.
من وجهة نظر الكرملين، هذه فرصة لإظهار أن روسيا ما زالت لاعباً دولياً قادراً على التفاوض مع القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى في العالم.

احتمالات الصفقة

التوقعات تشير إلى أن ترامب، كرجل صفقات، سيعرض على بوتين تخفيف العقوبات أو رفع بعضها مقابل وقف إطلاق النار في أوكرانيا، وربما قبول صيغة لتجميد الصراع دون حله جذرياً.
نجاح أو فشل هذه الصفقة المحتملة سيحدد إلى حد بعيد اتجاه الاقتصاد الروسي في العامين المقبلين، كما سيؤثر على أسواق الطاقة العالمية واستقرار أوروبا الشرقية.

تأثير القمة على الطاقة العالمية

الطاقة هي الورقة الأقوى في يد موسكو. أي تفاهم بين ترامب وبوتين قد ينعكس فوراً على أسعار النفط والغاز، إما عبر تهدئة المخاوف الجيوسياسية أو العكس إذا فشلت المحادثات.
الولايات المتحدة تدرك أن استقرار الأسواق العالمية للطاقة يمر عبر موسكو، ولهذا فإن القمة ليست فقط مفاوضات حول أوكرانيا، بل أيضاً عن توازنات الطاقة التي تمس كل اقتصاديات العالم.

مفترق طرق تاريخي

روسيا تدخل هذه القمة وهي محمّلة بإنجازات سياسية وعسكرية واقتصادية، لكنها تواجه أيضاً تحديات بنيوية عميقة.
ترامب يدخلها وهو يملك مزيجاً من العصا والجزرة، مدعوماً برغبة في تحقيق إنجاز دبلوماسي يعزز صورته داخلياً وخارجياً.
والعالم يراقب، لأن نتيجة هذه القمة لن تحدد فقط مصير الحرب في أوكرانيا، بل ستعيد رسم خريطة الاقتصاد العالمي للسنوات المقبلة.

في نهاية المطاف، سيحكم التاريخ على ما إذا كانت هذه القمة لحظة بداية لسلام صعب المنال، أو مجرد استراحة في سباق طويل من الضغوط والمواجهات.
لكن المؤكد أن يوم اللقاء سيشهد أكبر عملية ترقب اقتصادي وسياسي منذ سنوات، وأن صداه سيتردد في أسواق المال، وفي مراكز صنع القرار، وفي العواصم التي تراهن على أن الكبار قد يجدون أخيراً أرضية مشتركة توقف النزيف وتعيد التوازن.

 

الاشتراك في خدمات شركة أمواج كابيتال

إذا كنت ترغب في الاستفادة من التقلبات الاقتصادية في الأسواق العالمية، يمكنك الآن
فتح حساب في شركة أمواج كابيتال من هنا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *