غير مصنف

الذهب.. القصة الكاملة للملاذ الأخير في عالم تتلاشى فيه الثقة

لماذا يعود الذهب حين تنهار الأشياء؟

لطالما تساءل الناس، لماذا يشتري المستثمرون الذهب حين تهتز الأسواق؟ لماذا تضعه البنوك المركزية في خزائنها؟ لماذا لم يفقد مكانته رغم الثورة الرقمية، والعملات المشفرة، والتكنولوجيا المتسارعة؟

الجواب بسيط ومعقد في آن واحد: الذهب لا يعدنا بشيء، لكنه لا يكذب أبدًا.

ففي حين تعدنا الأسهم بعوائد، والسندات بفوائد، والعقارات بعقود، يقدّم لنا الذهب شيئًا واحدًا فقط: الثبات في وجه العاصفة. إنه الأصل الوحيد الذي لا يعتمد على التزامات طرف ثالث، ولا على سياسات حكومية، ولا حتى على أداء الشركات. إنه قيمة قائمة بذاتها، لا تستمد قوتها من أحد، بل من نُدرتها ومكانتها التاريخية في عقل الإنسان.

الذهب مقابل التضخم – صراع غير متكافئ

منذ بداية 2025، كان الحديث في الأسواق يدور حول كلمة واحدة فقط: التضخم.

عندما ارتفع معدل التضخم الأميركي من 2.4% إلى 2.9%، ثم لاحقًا إلى 3.1%، بدأت المؤشرات الحمراء في الظهور. أرقام أسعار المستهلك ارتفعت، وسعر الوقود عاد إلى الواجهة، وسلاسل التوريد لم تتعافَ بالكامل بعد.

لكنّ الذهب لم يكن مجرد ضحية لهذا الصراع، بل كان الناجي الوحيد.

في لغة المال، يُنظر إلى الذهب باعتباره تحوّطًا ضد التضخم. أي أنه كلما فقدت العملات قيمتها الشرائية، زاد الإقبال عليه. وهذا ما حدث تحديدًا في النصف الأول من هذا العام، حين بدأت الأسواق تشكك في قدرة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على السيطرة على الأسعار دون التسبب بركود اقتصادي جديد.

الدولار والذهب.. علاقة عشق وكراهية

إن كنت تبحث عن مؤشرات لتحركات الذهب، فلا تنظر فقط إلى التضخم، بل دقق في مؤشر الدولار الأميركي.

في يوليو 2025، وبينما كانت الأسواق تترقب تقرير أسعار المستهلكين، سجل الدولار تراجعًا مفاجئًا أمام سلة العملات الرئيسية. هذا التراجع فتح الباب أمام الذهب للانطلاق.

السبب؟ لأن الذهب يُسعَّر عالميًا بالدولار، وأي ضعف في العملة الأميركية يجعله أرخص للمشترين خارج الولايات المتحدة، ما يزيد الطلب عليه.

لكن المفارقة أن الدولار نفسه يستمد قوته من شيء هش: الثقة في سياسات الحكومة الأميركية. ومع تزايد الهجمات السياسية على رئيس الفيدرالي جيروم باول، خصوصًا من قبل الرئيس السابق (والمرشح القوي) دونالد ترامب، بدأ المستثمرون يبحثون عن بديل يمكن الوثوق به أكثر.

الفائدة.. وسلاح الفيدرالي الذي لم يعد مرعبًا

لعل أخطر ما حدث هذا العام لم يكن التضخم، بل فقدان الثقة في أدوات السياسة النقدية.

لسنوات طويلة، كان الاحتياطي الفيدرالي يلجأ إلى رفع الفائدة لكبح التضخم. لكن مع ارتفاع معدلات الدين الأميركي وتباطؤ النمو، لم يعد بإمكانه استخدام هذا السلاح بحرية. حتى عندما رفع الفائدة إلى 5.25% العام الماضي، لم يكن الأثر على التضخم حاسمًا.

والأخطر من ذلك أن الأسواق بدأت تُشكّك في فعالية هذه السياسة. المستثمرون الآن يتوقعون خفضًا بواقع 50 نقطة أساس قبل نهاية 2025. وهذا يعني شيئًا واحدًا: الذهب سيبقى في موقع الهجوم.

الذهب في أرقام – ليس مجرد صعود

دعونا نبتعد قليلًا عن التحليلات، وننظر إلى الأرقام.

  • سعر أونصة الذهب في بداية 2025: 1985 دولار
  • السعر الحالي: 3350 دولار
  • نسبة الارتفاع: حوالي 69% خلال 7 أشهر

لكن ليس السعر وحده ما يهم، بل حجم التداول.

وفقًا لتقارير “بلومبيرغ”، زادت مشتريات البنوك المركزية من الذهب بنسبة 38% خلال الربع الثاني فقط. كما ارتفعت طلبات الصناديق المتداولة بالذهب بنسبة 22% مقارنة بالعام الماضي.

هذا ليس مجرد اندفاع عاطفي. إنها هجرة ذكية للأموال من الأصول الخطرة نحو الملاذات الآمنة.

الذهب مقابل العملات الرقمية.. هل ماتت البيتكوين؟

في 2021، كان الكثيرون يتوقعون أن تحل البيتكوين محل الذهب كملاذ آمن. لكن الواقع أثبت العكس.

رغم كل صعود العملات الرقمية، لم تستطع أن تصمد أمام الضغوط الاقتصادية والجيوسياسية مثلما صمد الذهب. بل إن تذبذب البيتكوين، واختراقات المحافظ، وتقلبات السياسات التنظيمية، دفعت الكثيرين للعودة إلى الذهب باعتباره أكثر استقرارًا.

في المقابل، لم يرتفع سعر البيتكوين هذا العام سوى بنسبة 12%، مقابل 69% للذهب.

هل يبلغ الذهب 4000 دولار؟

هنا السؤال الذي يتردد في كل الاجتماعات الاقتصادية: هل نشهد الذهب عند 4000 دولار للأونصة قريبًا؟

الجواب ليس بسيطًا، لكنه ليس مستبعدًا. وفقًا لنماذج توقعات “غولدمان ساكس” و”سيتي غروب”، فإن استمرار ضعف الدولار، وارتفاع التضخم فوق 3%، واندلاع أي توتر جيوسياسي جديد، قد يدفع الذهب إلى تخطي حاجز 3750 دولار خلال الربع الأخير من 2025.

هل هذا ممكن؟ نعم. هل هو حتمي؟ لا. لكنه سيناريو وارد في ظل تآكل الثقة بالأنظمة النقدية حول العالم.

ماذا عن الفضة؟ ولماذا نسمع همسًا حول البلاتين؟

الذهب ليس وحده من يشهد حركة.

  • الفضة، التي تُستخدم بكثافة في التطبيقات الصناعية، وصلت إلى 38.24 دولار للأونصة، في أعلى مستوى لها منذ 2011.
  • البلاتين والبلاديوم عادا للارتفاع بسبب ارتفاع الطلب في قطاع السيارات، خصوصًا في الصين والهند.

لكن الفضة تملك سحرًا خاصًا: إنها الذهب الفقير. ومن يراهن على موجة تضخم صناعي قادمة، عليه ألا يغفل عنها.

كيف ينجو المستثمر الذكي وسط هذه العاصفة؟

  1. لا تشتري في الذروة.. ولا تفرّط في الربح

السوق صاعد، نعم. لكن كل ارتفاع يتبعه تصحيح. ومن الحكمة جني أرباح جزئية عند مستويات فوق 3350 دولار، وانتظار تصحيحات للشراء مجددًا.

  1. لا تضع كل بيضك في سلة الذهب

تنويع المحفظة الاستثمارية لا يزال ضرورة. الذهب مهم، لكن كذلك الفضة، وربما العقارات، وحتى بعض العملات الرقمية ذات المشاريع الجادة.

  1. راقب السياسة لا الاقتصاد فقط

أي توتر جديد في الشرق الأوسط، أو في آسيا، أو حتى نتيجة انتخابات أميركية فوضوية، قد يعيد تشكيل السوق بسرعة. الذهب يعشق اللايقين، فكن مستعدًا.

في الذهب، نكتشف وجوهنا الخائفة

عندما أنظر إلى سوق الذهب، لا أراه فقط كرقم أو أصل مالي. أراه كمرآة.

مرآة تعكس خوف العالم، وقلقه، وتردده. حين يرتفع الذهب، فهو يخبرنا أن هناك ما لا نقوله. يخبرنا أن ثقة الناس في الحكومات، وفي العملات، وفي النظام المالي، تتآكل.

ربما لن يبقى الذهب في القمة للأبد. ربما يهبط غدًا. لكن الرسالة التي يرسلها اليوم واضحة:

في عالم تهتز فيه القيم والمبادئ، يبقى الذهب شاهداً صامتاً على ما نخسره حين نغفل عن الحقيقة.

 

الاشتراك في خدمات شركة أمواج كابيتال

إذا كنت ترغب في الاستفادة من التقلبات الاقتصادية في الأسواق العالمية، يمكنك الآن
فتح حساب في شركة أمواج كابيتال من هنا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *