غير مصنف

الذهب: هوامش عالية في أفقٍ مضطرب

في صباح هذا الاثنين التاريخي، سجل الذهب في المعاملات الفورية ارتفاعًا يقارب 1.5 ٪ ليبلغ نحو 3,945 دولارًا للأوقية، بعدما لامس أعلى مستوى على الإطلاق عند 3,949.6 دولارًا خلال الجلسة. وفي العقود الآجلة تسليم ديسمبر/كانون الأول، جاء الارتفاع مشابهًا، مسجّلًا قرابة 3,968 دولارًا.

هذا المشهد ليس مجرد قفزة سعرية عابرة. بل هو انعكاسٌ لحمأة التوترات السياسية والاقتصادية، وتزايد الرغبة في اللجوء إلى الملاذات الآمنة، في وقت تتراجع فيه ثقة المستثمرين في استمرارية السياسة النقدية الأميركية على إيقاع التشدد التقليدي.

ما الذي دفع الذهب إلى هذا الارتفاع القياسي؟

  1. شلل حكومي أميركي وتأخّر القراءات الاقتصادية

من أطراف واشنطن، وصلت أنباء عن تعطيل الأنشطة الحكومية بسبب الشلل التشريعي (shutdown)، وما قد ينجم عنه من تأخر في صدور بيانات اقتصادية مهمة، مثل تقرير الوظائف غير الزراعية أو مؤشرات الناتج الأميركي. هذا الفراغ المعلوماتي يعزز المخاوف من أن الأسواق ستلجأ إلى الأصول التي تُعد ملاذًا آمنًا.

كما أن أحد كبار المسؤولين في البيت الأبيض ألمح إلى إمكانية تسريح جماعي للموظفين الفدراليين إن فشلت المفاوضات مع الكونغرس، مما يزيد من احتمالية تأثر الاقتصاد الأميركي سلبًا — وهو عامل يضع الذهب في بؤرة الاهتمام.

  1. توقعات قوية لخفض أسعار الفائدة

من جهة أخرى، يجري تسعير السوق حاليا لخفض مرتقب قدره 25 نقطة أساس في أكتوبر القادم، وآخر مماثل في ديسمبر، بأحجام احتمالية تتجاوز 80 – 95 ٪ في بعض التوقعات.
ويُذكر أن عضو مجلس الاحتياطي الفدرالي ستيفن ميران أكد مؤخرًا على “مسار خفض حاد” لأسعار الفائدة في مواجهة تأثيرات السياسات الاقتصادية القائمة.

بيئة الفائدة المنخفضة تعيد بريق الذهب باعتباره متوسطًا للتحوط من التضخم وتراجع العملات، لا سيما حين يكون العائد الحقيقي على الأصول المالية منخفضًا أو سالبًا.

  1. بريق دولي: شروقات من فرنسا إلى اليابان

العالم لا يعيش في جزيرة: ففضلاً عن التوتر الأميركي، تفاعلت الأزمات في أوروبا وآسيا لتسهم في تقريب الذهب إلى القمة.

  • في فرنسا، استقال رئيس الوزراء فور توليه المنصب، مما أضاف بعدًا سياسيًا جديدًا للوضع الأوروبي.
  • في اليابان، انتخاب شخصية تميل إلى الإنفاق المالي والأطروحات التوسعية أثار ضغوطًا على الين، ما خفّضه كأصل آمن بديل.

كما أن ضعف الدولار على خلفية توقعات التيسير النقدي يعطي الذهب فرصة أوسع للارتفاع.

  1. تدفّق المؤسسات والبنوك المركزية والمستثمرون الأفراد

الارتفاع في أسعار الذهب خلال 2025 تجاوز 49 ٪ حتى الآن، بعد مكاسب بلغت نحو 27 ٪ في 2024.
هذا الزخم لا يأتي فقط من المضاربة قصيرة الأجل، بل من تحول ملموس في مراكز بعض البنوك المركزية التي تزيد من احتياطياتها الذهبية، وكذلك من تدفّق الأموال باتجاه صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب، وزيادة رغبة المستثمرين الأفراد في التحوط أثناء الأوقات المضطربة.

في الهند، ثاني أكبر مستهلك للذهب عالميًا، استمر الطلب قوياً بالرغم من الأسعار القياسية، مدفوعاً بالمناسبات الموسمية. في الصين، ومع أن الأسواق مغلقة حالياً بسبب عطلة، فإن الثقة في الذهب كمخزن للثروة تغلغلت في العقل الاستثماري لكل مستثمر.

هل سيبلغ الذهب 4,000 دولار؟ وما الأفق بعد ذلك؟

يقدر بعض المحللين أن الذهب قد يختبر سقف 4,000 دولار في المدى القريب، خاصة إذا تواصلت الضغوط السياسية والمالية داخل الولايات المتحدة.
في المقابل، ثمة تكهنات أكثر جرأة، ترى بأن الذهب قد يتجاوز ذلك الحاجز لفترة ممتدة، إذا ضعف الإيمان باستقلالية الاحتياطي الفدرالي، أو إذا استمرت الفجوات بين السياسة والنمو الاقتصادي في الاتساع.

لكن ذلك لا يعني أن الطريق ممهّد دائمًا: فأسعار الذهب معرضة للتصحيح، خصوصًا إن تبيّن أن الاقتصاد الأميركي أكثر صلابة مما يُتوقع، أو أن مجلس الاحتياطي الفدرالي يتراجع عن خفض إضافي.

دلالات للقراءة الاقتصادية العالمية

إن اختراق الذهب 3,900 دولار ليس هبة عابرة من السوق، بل رسالة قوية للأنظمة الإقتصادية في العالم:

  • أولاً، هو تحذير بأن الأصول التقليدية (الأسهم، السندات السيادية) لم تعد كافية لتوفير الحماية في أوقات الصدمة.
  • ثانيًا، يشير إلى أن المستثمرين بدأوا يعيدون موازين محافظهم بشكل فعلي نحو الأصول الحقيقية.
  • ثالثًا، إن استمرار هذا الزخم قد يدفع الدول إلى مزيد من التدخلات في النقد والسياسة المالية، ما قد يُشعل صراعات جديدة في عالم المال.
  • وأخيرًا، في منطقة الخليج مثلاً، قد يُعيد هذا الزخم للأصول المحلية والمعادن الثمينة دورها في مراكز الحفظ والاستثمار المحلي.

توصيات المحرر

  1. لا تندفع بلا حذر
    الذهب الآن في قمّة، وقد يرتد. الأخذ بمواضع صغيرة تدريجياً أو التعرض التدريجي هو النهج الأمثل.
  2. راقب إعلانات الاحتياطي الفدرالي وبيانات الوظائف الأميركية
    هذه اللحظات ستحسم إمكانية استمرار الاتجاه الصاعد أو إدخال السوق في موجة تصحيح.
  3. أنظر للأفق الطويل
    إن كنت مستثمراً طويل الأجل، فالذهـب في هذا السياق ليس مضاربة بل تأمين ضد المخاطر الكبرى المحتملة.
  4. تنوع المحفظة
    في ظل هذا الجو المتقلب، لا تضع البيض كله في سلّة واحدة. المعادن، العقارات، الأصول الرقمية (بحدود المعقول) يمكن أن تكون مكملة.
  5. راقب الأزمات الجيوسياسية والتشريعات النقدية في داخلك وعالمك
    فكل قرار سياسي أو قانوني في واشنطن أو بروكسل أو بكين قد يُحدث فرقًا كبيرًا في الاتجاه القادم.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *