غير مصنف

من خرج منتصرًا من صفقة الرسوم بين أوروبا وترامب؟ قراءة نقدية متأنية في مواجهة التهديد التجاري

١. انعطاف في ركائز التجارة العالمية

في نهاية يوليو 2025، وبضغوط سياسية واقتصادية عالية، توصلت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى اتفاق تجاري إطاري ينهي التهديد بفرض رسوم جمركية بنسبة 30٪ على السلع الأوروبية إلى الولايات المتحدة، ويستبدلها بنظام سقف 15٪ على معظم صادرات الاتحاد.

ظهر الاتفاق كمفترق طرق: تجنب حرب تجارية مدمرة من جهة، وتقديم تنازلات أوروبية كبرى من جهة أخرى. من هو الفائز، أوروبا أم أميركا؟

٢. بين سقف 15٪ وتنازلات استراتيجية

أ. الرسوم الجمركية: من 30٪ إلى 15٪

  • كان المتوقع أن تصل الرسوم إلى 30٪ على صادرات الاتحاد، لكن الاتفاق خفضتها إلى 15٪ على السيارات، الأدوية، أشباه الموصلات، وغيرها.
  • في المقابل، لم تفرض الولايات المتحدة رسومًا على صادراتها إلى الاتحاد: صفر مقابل 15٪ لدول الاتحاد، وهو ما اعتبرته واشنطن انتصارًا سياسيًا واقتصاديًا.
  • الرسوم المتبقية على الصلب والألومنيوم والنحاس
  • الرسوم البالغة 50٪ ستظل سارية على هذه السلع مع حصة استيراد (quota) جديدة تحدد بناءً على مستويات تاريخية

ج. التزامات الطاقة والاستثمار

  • تعهد الاتحاد بشراء غاز طبيعي مسال أو طاقة أميركية بقيمة 750 مليار دولار خلال ثلاث سنوات.
  • التزم أيضًا بمضي نحو استثمارات تبلغ 600 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي بحلول 2028/29.

د. طبيعة الاتفاق: إطار غير ملزم وحوار مستمر

  • الاتفاق مجرد إطار أولي، التفاصيل النهائية لا تزال قيد التفاوض، ومنها استثناءات لقطاعات بعينها، ومواءمة قواعد المنشأ، وتحديد حصص الرسوم (
  • وعلى الجانب الأوروبي، تم تعليق العمل بردود فعلية على الرسوم الأميركية لمدة ستة أشهر .

٣. أوروبا ضحية التنازلات الكبرى؟

أ. واجهت ضغوطًا سياسية داخلية

  • ألمانيا وفرنسا مناوئتان صرّحتا بأن الاتحاد لم يكن “مخيفًا” بما فيه الكفاية، بينما وصف رئيس وزراء المجر الصفقة بأنها “ابتلاع أمريكي سهل” (

ب. أثر اقتصادي ملموس ودراسة تأثيرات

  • محللون في Société Générale قدروا أن الاتفاق قد يخفض نمو الناتج المحلي الأوروبي بمقدار 0.2٪ سنويًا (؛ وتظهر تحليلات يوروستات أن ألمانيا، أكبر مصدر للولايات المتحدة، ستتحمل تبعات ثقيلة.

ج. الاقتصاديات الصغيرة منهكة من تبعات غير متوازنة

  • البرتغال وإيرلندا تعتمد بنسبة محدودة على السوق الأميركية، لكن القطاعات الحساسة كالنبيذ، الأغذية، السيارات، معرضة لتأثيرات كبيرة

د. جبهة غير موحدة داخل الاتحاد

  • ردود فعل متفاوتة من الدول الأعضاء: البرتغال ترحب، سلوفينيا تتحفظ قيد التحليل، ألمانيا تشكك في الطابع الاستراتيجي للاتفاق.

٤. الولايات المتحدة رابحة الصفقة؟

أ. بوتقة القوّة الاستثمارية والتصديرية

  • الصفقة توفّر للأسواق الأميركية تصديرًا طارًا للمنتجات الصناعية والطاقة: بدون رسوم دخول للسوق الأوروبي، إضافة لاستقبال استثمارات أوروبية ضخمة

ب. تعزيز استراتيجية البيت الداخلي الأميركي

  • الاتفاق يدعم ما يسمى “اجتذاب الطاقات الصناعية إلى الداخل” (reshoring)، ويعزز مكونات الصناعة المحلية والتوظيف وفقًا للأهداف التي حدّدها ترامب سابقًا.

ج. إشادة إعلامية وشعبية داخلية

  • قراءة نيويورك بوست وغيرها أشادت بمهارة ترامب في إعادة تشكيل التوازن التجاري وتحقيق صفقة يُنظر إليها على أنها أكبر اتفاقية تجارية من نوعها حتى اللحظة

د. إبعاد شبح رسوم 30٪ والتقليل من عدم اليقين

  • الاتفاق أنقذ أوروبا من فرض رسوم تعجيزية نسبتها 30٪ بدءًا من 1 أغسطس، وهو ما كان سيفضي إلى حرب تجارية خطيرة

هـ. مكاسب استراتيجية وسيادية

  • دعم حديث على المستوى الاقتصادي: مجموعة من تحليلات كـCSIS وMorgan Stanley أكدت أن الاتفاق منح واشنطن وضوحًا استراتيجيًا لأنه عزز من قدرتها على فرض “هيمنة تصعيد” أو “escalation dominance”

٥. المعادلة الاقتصادية والسياسية

أ. هل من ربح مشترك؟

  • على المستوى الفني، الصفقة أوجدت تجنبًا لحرب تجارية مباشرة، وخفضت مستوى التوتر. لكن من الصعب القول إن العقد عاد بالفائدة المتوازنة للأطراف. لدى واشنطن اليد العليا، بينما أوروبا تخلّت عن أوراق تفاوضية مهمة

ب. السيناريو الأسوأ الذي تغيّب

  • الاتفاق ألغى احتمال فرض رسوم بنسبة 30٪، وبالتالي فهو أفضل من أي حرب تجارية واضحة، كما وصفه مفوض التجارة ماروش شيفتشوفيتش: “أفضل من حرب تجارية مع الولايات المتحدة.

ج. القضايا غير المنتهية

  • المصير القانوني للاتفاق، وخاصة الطابع غير الملزم له، يجعل إمكانية التراجع الأميركي واردة. بعثات شفهية عاجزة عن ضمان استدامته على مدى سنوات

د. الحساب الطويل الأجل

  • أوروبا قد تخسر موقعها التنافسي في صناعات أساسية، بينما أميركا تستفيد من إضعاف المنافسين الأوروبيين وزيادة هيمنتها الصناعية—حتى لو زادت الضغوط على المستهلك الأميركي وسلسلة التوريد .

٦.  كيف يجب أن تستعد أوروبا؟

  • تحصين المفاوضات المستقبلية: يجب تقييم الدور الأميركي في القطاعات الحيوية مثل الطاقة الرقمية، والصناعات الدوائية، وتحديث الذكاء الاصطناعي ضمن إطار مستقل .
  • إعادة التوازن داخل الاتحاد: تمكين غرف صناعية وطنية ودول مثل إسبانيا وإيطاليا للمشاركة الفعلية في صياغة الموقف الموحد.
  • تطوير تحالفات تجارية بديلة: الانضمام المنظم إلى CPTPP وفرص أخرى لتعويض تبعية السوق الأميركية
  • تسريع القوانين الأوروبية الرقمية والبيئية: تصعيد النفوذ الأوروبي في معايير عالمية لخلق قيمة مضافة، وليس مجرد ردود فعل.

٧. من رابح الصفقة؟

باختصار، الفائز الأكبر في هذه الصفقة هو الولايات المتحدة، التي نجحت في فرض سقف جمركي يضمن لها التفوق التجاري، واستقطاب استثمارات وأضافت فرصًا لتصدير الطاقة الصناعية—كل ذلك من دون فرض رسوم مقابل. أما الاتحاد الأوروبي فلَم يخرج فائزًا، بل في أفضل التقديرات خرج “راضيًا على أقلّ الممكن”، كما وصفه قادة الاتحاد أنفسهم.

الصفقة لا تزال غير مكتملة، ومعظم الخطوط العريضة فقط باتفاق مؤقت. وربما لا يكفي أن تقول أوروبا “فضلًا أن تُفاجئ برئاسة ترامب بإجراءات أقسى”، لكن الأهم أن تتعلّم الدرس من سهولة الانهيار التفاوضي إذا غابت الإرادة الموحدة.

 

الاشتراك في خدمات شركة أمواج كابيتال

 

إذا كنت ترغب في الاستفادة من التقلبات الاقتصادية في الأسواق العالمية، يمكنك الآن

فتح حساب في شركة أمواج كابيتال من هنا.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *